Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

 

توفيق المديني
بلغ الاحتياطي من العملات الصعبة في الجزائر بسبب فورة أسعار النفط نحو100 مليار دولار أمريكي، جمدتها الحكومة من أجل استثمارات أساسية. ويتصارع المستثمرون الأمريكيون والأوروبيون والروس وحتى من بلدان الخليج العربي على الفوز ببعض الاستثمارات الضخمة.
فبعد العزلة التي شهدتها الجزائر من جراء الحرب الأهلية (1992-2000)، وجد هذا البلد الشمال الإفريقي  مكانه في مصاف البلدان الطموحة إلى لعب دور إقليمي بارز. في الماضي كانت الشركات النفطية العالمية الكبرى هي وحدها التي تستثمر في النفط، أما الآن فإن الأمر تغير كثيرا.ما بين أعوام 2000 و 2006، تضاعفت الاستثمارات الأجنبية المباشرة ست مرات،و حتى عشر مرات إذا أخذنا بعين الاعتبار قطاع الهيدروكاربور، القطاع الحيوي في الاقتصاد الجزائري.و مابين 2005 و 2006 كان الارتفاع أعلى بنحو 50% ليبلغ 1،7 مليار دولار.ولم يتم تكذيب هذا الاتجاه التصاعدي خلال الأشهر الأولى من بداية هذه السنة.فعدد الأجانب الحاملين للمشاريع و الخالقين للشركات يتكاثر باستمرارٍ حسب قول وزيرالمالية الجزائري مراد مديلسي.
ويعزو المحللون هذا التحول، إلى اعتناق الجزائر النهج الليبرالي في الاقتصاد، الذي كان يسطر عليه في الماضي  النهج الاشتراكي.ومع قناعة المتحولين الجدد إلى الليبرالية،تكثف السلطات الجزائرية من إطلاقها إشارات قوية للانفتاح،من خارج قطاع الهيدروكاربور.و على غرار جيرانها المغاربيين وقعت الجزائر اتفاقية التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي ، التي هي قيد التنفيذ.و هي تتفاوض لكي تدخل إلى منظمة التجارة العالمية.
إن الجاذبية التي تمارسها الجزائر تعود في قسم منها أيضا إلى البحبوحة المالية التي تنعم بها بفضل ارتفاع أسعار النفط . فمع وجود ديون خارجية لا معنى لها ، و احتياطي مالي يقدر بنحو 100 مليار دولار، فإن الجزائر تجد نفسها في وضعية أفضل من فرنسا.و ليس هنا ك من يعتقد أن ينقلب الاتجاه هذا.و خلال خمس سنوات ستحصل الجزائر على عائدات تقدر بنحو 150 مليار دولار.
من بين  البلدان التي تتودّد إلى الجزائر فرنساالأكثر مثابرة في مجال الاستثمارات خارج قطاع الهيدروكاربور، فهي تحتل المرتبة الثانية في كل القطاعات. و تتمثل نقاط قوة فرنسا في مجال الاستثمارات التالية: الصناعة الغذائية مع شركة دانون، الحاضرة على صعيد مشتقات الحليب من الأجبان و الألبان، و المياه المعدنية و التي افتتحت مؤخرا مصنعا للبسكويت في ضاحية الجزائر العاصمة.الصيدلة من خلال شركة سانوفي أفنتيس، التي انتقلت إلى تصنيع الأدوية محليا، و أخيرا القطاع المالي، حيث افتتحت أربعة بنوك فرنسية(ناتكسيس، و سوسيتي جنرال ، و النك الوطني الباريسي، و كايلون) فروعا لها بالجزائر.
التوازن في العلاقات التي أقامته الجزائر مع كل من موسكو وواشنطن، كان سبباً إضافياً لكي تتدارك باريس الأمور، وتحاول الحفاظ على مواقعها في ثاني بلد "فرانكوفوني" في العالم من وجهة نظرها. فأسرعت إلى اعتبار الجزائر سوقاً "استراتيجياً" لشركاتها، ويتابع المسؤولون الفرنسيون العلاقات معها على أعلى المستويات بوتيرة لم يسبق لها مثيل. ففي عام 2005 وصلت المبادلات التجارية بين البلدين إلى 8.3 مليارات يورو، مقابل 7.1 مليارات عام 2004. وصدّرت فرنسا إلى "مستعمرتها السابقة" ما قيمته 4.6 مليارات يورو، واستوردت بـ3.68 مليارات. والجزائر شريكها التجاري الأول في إفريقيا والعالم الثالث. وهنالك اليوم 11300 شركة فرنسية تعتاش من السوق الجزائرية. وتسعى فرنسا بكل قوتها إلى المحافظة على حصة تعادل ربع السوق الجزائرية. كما تحاول أن تكون أول مستثمر فيها، إذ بلغت استثماراتها نحو 70 مليون يورو عام 2004 أي ما يعادل نحو عشر مجموع الاستثمارات في البلاد.
في زيارته للجزائر أبرم الرئيس نيكولا ساركوزي عدة صفقات تجارية بقيمة 5 مليارات دولار. وجرى الحديث مؤخراً في البلدين عن اتفاقات في ميدان الغاز، سوف يتم التوقيع عليها، وهدفها تأمين مد السوق الفرنسي بالغاز الجزائري الذي يأتي في المرتبة الثالثة بعد النرويجي والهولندي وقبل الروسي. وعلى الرغم من أن الجزائر أول شريك تجاري لفرنسا في إفريقيا قبل المغرب وتونس وحتى جنوب إفريقيا، فإن للتفاؤل الفرنسي حدود، فالجزائر ليست الصين، والسوق الجزائرية أصبحت أضيق أمام فرنسا مع دخول منافسين جدد، مثل الولايات المتحدة والصين واليابان.
القادم الجديد على الساحة هو الصين واليابان ونمور آسيا. فخلال ثلاث سنوات فقط تحوّلت الصين إلى خامس شريك تجاري للجزائر، واقتنصت شركاتها العديد من العقود المهمة ولا سيمافي ميدان البناء. وتلحق بها حالياً كوريا الجنوبية التي قام رئيسها رو مو هيون بزيارة رسمية للعاصمة الجزائرية في 12 مارس 2006وبلغ حجم المبادلات التجارية بين البلدين 595 مليون دولار عام 2004، و465 مليون دولار عام 2005، منها 165 مليون دولار صادرات جزائرية و300 مليون دولار واردات.
وهناك أمثلة كثيرة على هذا الواقع الجديد، منها أن طريق قسنطينة- تونس فازت بعقد تنفيذه شركة يابانية كوجال  بقيمة 5،9 مليار دولار، لأنها قدمت عرضاً أقل تكلفة من الشركة الفرنسية،ويبلغ الطريق   السريع هذا 1216 كلم وسيكون ناجزا في عام 2009،و هو عام نهاية ولاية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
كما تساهم الجزائر في المشروع الضخم المتمثل بإقامة "أوتوستراد"  عريض  بطول 7000 كلم  يمتد من المحيط الأطلسي و يصل إلى البحر الأحمر، وتتابع وزارة الأشغال العمومية  التي تشرف على "مشروع القرن " الغالي على قلب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن قرب، إذ اشترطت الجزائر على الصينيين أن تكون اليد العاملة الجزائرية التي تنفذ هذا المشروع جزائرية بنحو 70%، حتى يكتسب الجزائريون  تقاليد وثقافة  العمل باحتكاكهم مع ثقافة أخرى.و يكلف  ربط حدود الجزائر مع حدود  كل من المغرب و تونس بوساطة هذا الطريق السريع خزينة الدولة الجزائرية 11،1 مليار دولار( ما يقارب 8،5 مليار يورو)، إنه أكبر مشروع يقام في البلد، بتشغيله 74881 عاملا،منهم 21973 عامل آسيوي-11 نفق تم حفره مرتين و 3 طرق و390أعمال فنية أنجزت، منها 25جسر طويل مرتفع فوق الأدوية .
كما أن رجال الأعمال الجزائريين الشبان يتوجهون اليوم إلى شنغهاي، ليس فقط من أجل تلافي تعقيدات التأشيرة الفرنسية، بل كذلك لأن المنتجات الصينية أقل تكلفة. ومن يتأمل اليوم في السوق الجزائرية يجد أن المنتوجات الصينية تفوق الفرنسية بكثير. هذا عدا عن حضور الاستثمارات الفرنسية المتدني، بالقياس إلى حالات أخرى مشابهة. وعلى سبيل المثال، فإن اليابان توظف 27% من استثماراتها الخارجية في محيطها الآسيوي، والولايات المتحدة 25% في أمريكا اللاتينية، في حين لا تتجاوز نسبة استثمارات فرنسا في إفريقيا 3%. وهذه مسألة تتجاوز التجارة.
كما أن روسيا أصبحت حاضرة من خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى الجزائر في العاشر من شهر مارس 2006، على قصرها، إذ أنها لم تتجاوز اليوم الواحد، لكنها أسست لعودة قوية لموسكو إلى ساحة شمال افريقيا والشرق الأوسط، من باب صفقات السلاح بالدرجة الأولى. فهذه الزيارة الأولى لزعيم روسي إلى الجزائر منذ نصف قرن، تمخضت عن نتائج مهمة تمثلت في إلغاء موسكو الديون المترتبة على الجزائر وقيمتها 4.7 مليارات دولار، فيما وافقت الجزائر على شراء طائرات مقاتلة متطورة وأنظمة للدفاع الجوي وأسلحة أخرى من روسيا، في صفقة بقيمة 7.5 مليار دولار. واشتملت الصفقة على 40 مقاتلة من نوع "ميغ ـ 29"، و20 مقاتلة "سوخوي ـ 30"، و16 طائرة للتدريب من نوع "ياك ـ 130"، وثمانية أنظمة صواريخ "فافوريت أس ـ 8"، ونحو 40 دبابة من أحدث طراز. وأبدى الجانبان استعدادهما لتوسيع التعاون في مجالات تصنيع المكائن والآلات، والطاقة، والنقل، ومشاريع البنى التحتية. وجرى إبرام 3 بروتوكولات تتمحور حول العلاقات الاقتصادية والمالية، وإلغاء الإزدواج الضريبي بين الجزائر وروسيا، وتعزيز الاستثمارات والتعاون بين غرفتي التجارة والصناعة في البلدين. وأشار رئيس شركة "غاز بروم" الروسية ألكسي ميلر الى أن شركته و"سوناطراك" الجزائرية ستسعيان لتعزيز التعاون في مجال الغاز، بما في ذلك تسييل الغاز للشحن بالناقلات.
 ومن المتوقع أن يصل حجم المبادلات التجارية بين البلدين عتبة ملياري دولار.
هذا التعاون الذي يمكن وصفه "بالاستراتيجي" طالما هو يطال مجالين أساسيين كالسلاح والطاقة، لم يكن بأي حال من الأحوال على حساب علاقات الجزائر الأميركية والفرنسية والأطلسية، ومع أطراف أخرى فاعلة، بل جاء مكملاً لها في ما يبدو إرساءً لتوازنات جديدة في السياسة الخارجية للجزائر، تأخذ بالاعتبار التحوّلات الدولية العميقة منذ انتهاء الحرب الباردة، وانهيار جدار برلين ومعه "المعسكر الاشتراكي" الذي ارتبطت به الجزائر لفترة طويلة.
كيف لا يسيل لعاب هؤلاء جميعاً أمام برنامج الإنعاش الاقتصادي الذي أعلنته الحكومة الجزائرية أواخر آذار مارس 2006(أيضاً وأيضاً)، والذي خصص له 80 مليار دولار حتى العام 2009 (نهاية الولاية الثانية للرئيس بوتفليقة)، فيما بلغ معدل النمو الاقتصادي 5.8 في المئة هذا العام (و8 في المئة متوقعة لعام 2008).
غالبا ما يقدم الخبراء الجزائربلدا غنيا بسبب موارده النفطية لكن الشعب الجزائري يعيش في وحل الفقر،الشباب الجزائري تواق إلى الهجرة بسبب البطالة،و أزمة السكن، و ثقل البيروقراطية ، وغياب التي تكبل مستقبل الجزائر، وغياب استراتيجية حكومية للتنمية ، تلك هي  المفارقة الوطنية الصاعقة  . فهل حان الوقت لكي تتحول الجزائر إلى قوة إقليمية صاعدة، وتتخلى عن كونها "بئر نفط ومعدة "فقط.


باحث اقتصادي
 

 (المصدر: صحيفة "الخليج" (يومية – الإمارات) الصادرة يوم 29 ديسمبر 2007)

Tag(s) : #articles de presse
Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :