ما فتئت أخبار الأزمة المالية العالمية تستأثر باهتمام الحكومات والشعوب، وخاصة في البلدان الصناعية، وهي تتقدم بشكل واضح على ما عداها من أحداث لأنها أكبر أزمة منذ سنة 1929، وستكون لها قطعا انعكاسات بعيدة المدى على مصائر المجتمعات. ويعلم الرأي العام في تلك البلدان الآن حقيقة أوضاع الجهاز المصرفي وخسائر شركات التأمين وتوقعات الخبراء بالنسبة للنتائج العامة للأزمة، بفضل الدور الذي تلعبه المؤسسات الإعلامية الحرة.
لكن الحكومة في بلادنا مازالت تُغلف الأزمة بغلالة سميكة من الدعاية الممجوجة وترفض الإعتراف بأن تونس، ككل بلدان العالم، لا يمكن أن تبقى بمنأى عن التداعيات السلبية لتلك الأزمة. وأنى لها أن تُفلت منها بينما حوالي 70 – 80 بالمائة من مبادلاتنا التجارية تتم مع بلدان الإتحاد الأوروبي؟
وبلغت نسبة الناتج الوطني الخام المتأتي من عمليات التبادل مع الخارج )تصديرا واستيرادا( 97 بالمائة في السنة الماضية. ومن المهم أن نشير في هذا الإطار إلى أنّ قطاعين صناعيين فقط هما النسيج والمكونات الميكانيكية والكهربائية يمثلان نصف صادراتنا من البضائع. وهذا يدل على مقدار تأثر الإقتصاد التونسي بأي صدمة قد تحدث في الخارج إذ يترتب عليها بالضرورة كساد في الطلب الخارجي وبالتالي تعطل الإنتاج.
فهل يجوز في درجة كهذه من التشابك أن تُقلل الحكومة من المخاطر التي تتربص باقتصادنا، وتُعطل نشر الإحصاءات والتوقعات المالية وتمتنع عن إشراك المجتمع المدني أحزابا وجمعيات، في البحث عن وسائل للتخفيف من تداعيات الأزمة العالمية على الإقتصاد الوطني وامتصاص آثارها؟
تُمعن الحكومة في التعتيم على الحقائق مخافة رد فعل الشارع، وهي لا تدرك أن تداعيات الأزمة ستظهر في المدى القريب والمتوسط في تونس لتُنهك قطاعات عديدة وتُجبر وحدات إنتاجية مختلفة على خفض الإنتاج أو الإقفال والتخلص من العمال. لذلك من حق المواطن أن يعلم مسبقا ما ينتظر البلاد وما هي الخسائر التي تكبدها قطاع التأمين على الحياة على سبيل المثال، وهل مازال نظام جرايات التقاعد قابلا للإستمرار؟ كما أن الشفافية تقتضي معرفة المجالات التي استُثمرت فيها مدخرات صناديق التأمين، وهل هي استثمارات مأمونة أم لا؟
لا مناص لتونس من اتخاذ شعار الشفافية عنوانا للفترة القادمة إذا ما أريد لبلادنا أن تواجه التحدي القادم بأقل الخسائر، فمعرفة الحقائق هي الكفيلة بتحفيز جميع الفئات على التحرك والمشاركة في مجهود وطني شامل لمواجهة التداعيات السلبية للأزمة. أما الإنفراد بالرأي وتنزيل القرارات كما لو أنها أوامر سلطانية والإستمرار في الوصاية على النُخب وعلى الشعب، فنتيجتها الحتمية هي المزيد من الهشاشة والوهن في مواجهة التحدي العاتي الذي بدأ يجتاح بلادنا.
( المصدر: صحيفة الموقف لسان حال الحزب اليمقراطي التقدمي( أسبوعية معارضة - تونس) العدد467 بتاريخ 10 أكتوبر 2008